x man
عدد المساهمات : 173 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 23/12/2010
| موضوع: الطابق الأخير ! - قصص قصيرة الأربعاء فبراير 02, 2011 8:20 pm | |
| الطابق الأخير ! - قصص قصيرة
كاد حرصى بألا يرانى يهلكنى , وكادت قدمى تنزلق أكثر من مرة حتى اننى كنت مضطرا لخلع حذائى , فالإفريز كان بالكاد يسع القدم , أما حرصه هو فكان بأ ن يصل الى نقطة اللاعودة عند زاوية المبنى الخارجية , تلك التى تقع فوق ناصية الشارعين الكبيرين وهناك خارج الطابق الثلاثين من المبنى الفخم الذى يضم مصالح الدولة ومؤسساتها الوطنية ؛ لذلك أيضا كانت نقمتى عليه . حين انتبه إلى : غاص قلبى عند قدمى , وكنت إتعجب ؛ كيف وصل حريصا على الموت الى موقع بهذه الخطورة ؟ سألته وأنا أرسم ابتسامة مطمئنة ؛ ماذا لو فعلناها سويا ؟ ارتسمت الدهشة على وجهه المتعب وقال باستنكار ؛ " ماذا ؟ ماذا تقول ؟ قلت : نفعلها سويا , أنا جاهز , لطالما فكرت فى الأمر , ولم يدخل معى حيز التنفيذ إلا حين رأيتك تنوى فعلها . سألنى وقد فاض كيله : ولم تريد ذلك ؟ لدى ما يدفعنى للأمر , فلم تريد انت ؟ أنا أيضا لدى أسبابى وهى كثيرة , أقلها أن اترك دائنى فى ورطة انا حاليا غارق فيها الى هنا , واشرت إلى أعلى أنفى بينما أرسم ابتسامة تشفى لائقة بالموقف حسب ظنى . لا تبدو يائسا كما أنا ؛ قالها وهو ينظر إلى قدميه ويحاول تثبيتهما على الإفريز الأملس ولأننى بدأت تتعرق قدماى أيقنت ان قدماه ربما تكون سببا للتعجيل بما كان ينوى فعله . قلت مستنكرا : ولكن لم اخترت هذا الطابق ؟ كان يكفى الخامس أو العاشر . أشار بطرف أنفه بينما يجاهد فى التشبث بالحائط الأملس وراءه: ألا ترى الطابق الأخير ؟ هو فى طور الإنشاء , وأنا . . لا اريده ان يكتمل فى حياتى .. كان اربعا فقط حين عملت به ولم يطرأ على حياتى تحسنا حتى وصل الى هنا . . هل تفهم ؟ . . ولم افهم فى الحقيقة إلام يرمى , كنت اتطلع الى ناصية الشارع البعيدة , واتساءل لم تأخر ت سيارات النجدة الى هذا الحد والمسافة لا تستغرق ست دقائق كاملة , ربما اقل . . أقل كثيرا , اللهم إلا إذا اكمل الرجل طعامه الذى كان يتناوله بينما كان يتلقى مكالمتى , لكنه كان جادا فى تلقى البلاغ وفى كتابة تفاصيل العنوان ورقم الطابق الذى يقف فيه الرجل المسكين , ولم ينس أيضا أن يأخذ رقمى القومى ومكان عملى وتاريخ مولدى وعنوان مسكنى حاولت الاقتراب منه وانا غير واثق تماما بقدرتى على مجاراته , لكنه اشار الى باستنكار وامرنى ان اثبت مكانى , بينما بدا عليه التوتر والانفعال , وتكاد تنزلق قدمه فتراجعت وانا اهدئه واحاول العودة الى حوارنا اليائس معا . لم تأت سيارات النجدة حتى الآن , وبدا انهم قرروا تركنا نفعلها , بينما تجمع كثير من المارة بالأسفل وبدوا كأنهم قطيع نمل حول قطعة سكر . سألنى فى قلق ؛ هل تحتسب فعلته هذه إهدار للحياة ؟ أو إعلانا للتمرد على قدر الله ؟ قلت أن الله لا يرضى بما يعانيه حتما , ولعله يدبر لنا مخرجا مما نعانيه , ولكنى عموما لا أريد الانتظار , لأن ما عند الله أفضل ,وأنا استعجل الذهاب إليه . . هل . . تفكر الامر ؟ . . نفكر فيه قليلا ؟ : " أظن أن الأمر خطير إلى الدرجة التى تجعلنا نفكر بعض الشىء " وتخيلته يحك رأسه لولا وقفته الحرجة فواصلت المحاورة وانا احاول ان اخفى ارتياحى لما وصل الامر اليه : "أراك تراجعت يا صديقى , وبابتسامة ألفة سالته : هل تخبرنى باسمك ؟ لم أعرف اسمك بعد . . ؟" " صابر . . اسمى صابر , منذ ثلاثين عام وأنا صابر ولا فائدة وكأنى ألاحق سرابا . . لكنى لا أريد أن أحمل ذنبك معى , ربما أجد الحجة عند الله وأنا وحدى " تجاهلت محاولته إثنائى وواصلت كمن يحادث نفسه : لدى ثلاثة ابناء وزوجة فى طيبة امى وصبرها , هل لك أم كأمى ؟ قال متلهفا : " لك أم على قيد الحياة , وتريد أن تفارقها ؟! هذا جحود , عد اليها وقبل يدها , وابك عند قدميها حتى تلقى الله , حينها ؛ تعال الى هنا واظ فعل ما تشاء " "وانت ؟ ؟ أما زلت . . ؟ " " انا ما زلت افكر فى الامر , أمورى اكثر تعقيدا مما تظن " يقول وما يفتر يرفع عينيه الى أعلى نحو الطابق تحت الإنشاء . . قطيع النمل فى الاسفل يزداد اتساعا , ضوضاؤهم بدات تصل الى مسامعنا , وانا فاقد الامل فى نجدة من هؤلاء , وما أنتظره لم يأت بعد , التفت الى حركة عن يسارى فوجدت أحدهم يطل برأسه نحونا متسائلا : " هل أنضم اليكما ؟ فى كل الاحوال أريد ذلك وسأفعله " يارب العالمين , ماذا جرى لهؤلاء ؟ قلت بيأس وانا انظر اليه شذرا : " الإفريز يسع كل هؤلاء بالاسفل , ادعهم يأتينك قفزا , هل تظنها وليمة رمضانية ؟ " وتقدمت منه لعلى أتمكن من إعادته قبل ان يستفحل الامر , فسمعت صابر وهو يحثنى على التقدم حتى أمنع الرجل , وكنت متفهما لمشكلته فالجريرة صارت مزدوجة , وكان الرجل قد أخرج إحدى ساقيه وألقى نظرة الى أسفل فتردد قليلا والقى نظرة الى كلينا بغية التشجيع ربما . فاتاح لى وقتا للوصول اليه . عند النافذة جاءنى رجلا انيقا تبدو عليه النعمة وبدا عليه التوتر والانفعال . مخترقا حاجز الامن الذى صنعه رجال أمن بالمبنى بسهولة , , وبادرنى وهو ينهر رجلنا الثالث ويسحبه الى الداخل فى قسوة , بينما يتلقفه آخرون بالداخل : " ماذا يريد صابر ؟ هل حاورته ؟ هل تحدثت معه ؟ لماذا يريد . . ؟ التفت الى صابر ورفعت صوتى ليسمع , اذهب من هنا , أنت أحد هؤلاء اللذين يدفعوننا الى الجنون على ما أظن " ثم انخفضت بصوتى نحوه : " هل يمكنك وقف الإنشاء فى الطابق الأخير ؟ كان مأخوذا ؛ سرعان ما عاد الى نفسه ثم وقع فى حيرة لا يدرى ما يجيب , فتركته وعدت الى صاحبى عند الإفريز المطل على الدنيا . . والآخرة . فى الدنيا بأسفل مايزال الوضع كما هو جمهور متفرج ونجدة لا تصل وصاحبى ما يزال غارقا فى تردده ؛ فإنفاذه لما قرر لا يحتاج سوى ان يلقى بكل معاناته خلف ظهره ويقفز , ولن يجد وقتا ليشعر بالألم , أما أن يقلع عما فى رأسه فهو أمر يحتاج الى الكثير من . . الحكمة ربما . . أن يمنى بهزيمة اخرى ربما . . أن يأتى رجال النجدة . . . ربما . انتبهت اليه وهو يحاول مد احدى ساقيه , مما زاد قلقى وحنقى على النجدة المنتظرة منذ أمد صار بعيدا , فسألته : مايشقيك الى هذا الحد فى بناء طابق جديد ؟ قال وهو يرفع عينيه الى هناك فى غضب جارف وكأنه ينفث من مرجل يغلى : " منذ عشرين عاما احاول استكمال طابق واحد لأبنائى ,؛ منذ أكثر من ثلاثين عاما أحلم . . فقط احلم . . اعمل كما الثور . . اركض كما الكلب . . و. . وبين وقت وآخر أهتف كما الببغاء , أكاد الآن أحبو . . وهم . . ينشؤون طابقا فوق الثلاثين " أيضا لم أفهم , حقا ماذا يريد هذا الرجل الصابر كما الجبال ؟ ؟ فى تساؤل وارتياب نظر الى أسفل متسائلا عما يفعل النمل بأسفل , وكانوا هناك يصنعون دائرة كبيرة من تحت المبنى وبفعلون شيئا لم أفطن إليه حتى وضح جليا هناك , النمل اخيرا يصنع من ملابسه بساطا يستقبل به صابر بينما بدأت تعلو حناجرهم بسقوط الطابق الاخير . __________________ | |
|